أنا طالب الحلال!!!!

أنا طالب الحلال...


تجاوز السبعين ولم يمض على وفاة زوجته أسبوع.......حتى أعلنها أمام أبنائه الأربعة وبناته الثلاث غير خجل من بقايا شيب يلتف حول رأسه كطوق نجاة لبقايا عقله ولا من تعاريج وأخاديد تملأ وجهه وجبهته ولا من أمراض القلب وضغط الدم والسكري والروماتيزم وضعف النظر (أنا طالب الحلال)
شهقت ابنته الكبيرة فاطمة: أنا لا اسمع ماذا قلت يا أبي !
التف حوله أبنائه مشدوهين كل ينظر للأخر لا يصدق:هل حقا تعني ما تقول يا أبي.
رمى العصا من يده وعلا صوته بنبرة الشديد القوي الواثق من نفسه وسوى ظهره يحاول أن يرفع أثقال سبعين عاما من هموم الدنيا ومشاكلها وعبء أحداثها وأمراضها ولكنها ثوان معدودات حين عاد وتقوس ظهره رغما عنه: وهل من هذا الأمر مزاح أنا بصحة جيدة.
ولم يكد يكمل جملته حتى عثر جملته سعال شديد متواصل جعله يلهث من مشوار عمره الطويل:ما بالكم تنظرون إلي هكذا كأني لحنت أو خرجت على قانون اوعرف شرعي الكلام كلام الله سبحانه وتعالى من يجرؤ على مخالفة أمر الله. قالت فاطمة التي لم تجرؤ أن تتحدى جبروته: لم يمض على وفاة أمنا سوى أسبوع والجرح ما زال ينزف والدموع لم تجف بعد.
قال بصوت حازم خالي من العاطفة: لا أريد أن أضيع عمري أكثر فالبقية الباقية من عمر الإنسان عزيزة يا أبنائي
قالت فاطمة تشرق بدمعتها:أسبوع يمحو اثنين وخمسين سنة ؟؟أم احمد رفيقة الدرب ثمنها عندك بأسبوع ؟؟
قال:الإنسان القوي يا ابنتي من كانت له الواقعية مبدأ انه الوجود لا يعيش بمولد الإنسان ولا ينتهي بموته فأم احمد ليس لها ثمن أنها فوق المعايير التي يقيس بها الإنسان المال والنفائس والجواهر إن لها معزة الروح فما عاد النابض في صدري اسمه قلب.. انه صندوق ذكريات دخلته فتحته وتهت في بحور سنواته وكانت الأيام اذرع إخطبوط أمسكت بي لا تود أن تتركني شعرت أنها تسحبني وبدأت تتفاوض أن الحق بزوجتي هل تفهمون ماذا أقول جميعكم متزوجون تنعمون بأسر محاطون بحبها وحنانها وأنا أعيش وحدا اجتر ذكريات الماضي نظر الجميع إلى بعضهم البعض مقرين انه يقول الحق ولكن ما الحل؟؟!!
الحل بسيط إذا وافقكم اقنع به
نظر إليه الجميع يستعجلونه تكلم يا أبي
إن يأتي فرد منكم لمدة أسبوع يرعاني ويقوم على خدمتي
قالت فاطمة تتحدث بلسان الجميع: أسبوع كثير يا أبي فلي زوج وأطفال أقوم على خدمتهم وكذلك أخوتي انه طلب صعب التنفيذ
أيدها الجميع وعمت الفوضى وعلا الضجيج
قال الوالد يعرض اقتراح أخر: تستضيفني كل أسرة لمدة شهر تخدموني وتؤنسون وحدتي
نظر إليه الجميع والحيرة واضحة ترتسم على الوجوه فالحل الثاني أكثر صعوبة من سابقه
ضاق صدر الوالد بأبنائه: حسنا اصبر عليكم أسبوع تتشاورون وتأتون بحل منصف وأنا اتخذ القرار الذي يناسبني وتم الاتفاق على ذلك
قال الأخ الكبير احمد متحدث على لسان أخوته الذكور: زوجاتنا غريبات ولا يجبرهن الشرع على خدمة والدنا
انبرت له أخته فاطمة تتحدث بلسان أختيها: ونحن لا تستطيع أي واحدة منا إن تستضيف أبيها في بيت زوجها شهر كامل
ومضى اليوم الأول والثاني والسادس والجميع على خلاف لم يهتدوا لحل واجتمعوا من جديد وفي نهاية الجلسة قال احمد:عندي اقتراح يريح أبانا ويحظى على موافقة الجميع
اعتلى الوجوه الأمل وتوجهت الأنظار نحو احمد:نزوج أبانا من سيدة في الخمسين من العمر مقطوعة الخلف عديمة السند لا أطماع لها وبذلك نكون استجبنا لطلب الوالد وأمنا شر الشريك في ارثنا
وبعد نقاش طويل لم بخل من الاصوات المعترضة بدأ الجميع يتقبل فكرة احمد وبقبول فكرة الزواج للوالد
جاء اليوم السابع واجتمع الأب بأبنائه وبشروه بقبولهم الزواج ولكن عندما اعلموه بسن العروس التي سيزوجونها له امتعض وعلا صوته بالنقمة على أبنائه: كلام مرفوض لا يحق لأحد إن يفرض علي ما يناسب هواه عروسي لن تزيد عن سن الثلاثين
اعترض الأبناء وجاء الرفض على لسان الجميع اغتاظ الأب وقال: فأذن ابنة الخمس والعشرين تصدت له فاطمة استشاط غضبا: قسما لن تكون لي حليلة فوق سن العشرين.
سكت الجميع أمام ثورة الأب وخافوا ان يتبع القسم بقسم أخر فتكون الزوجة ابنة الخامسة عشر
واصل الاب حديثه: السكوت علامة الرضا
قال احمد: هل هناك فتاة معينة تريدها حنى نذهب ونخطبها لك ؟
دعوا الامر لي فالامر لا يحتاج الى معونة من احد
قالت فاطمة معترضة :الأفضل ان نخطب لك نحن أبناؤك لنجنبك حرج الرفض اذا كان هناك رفض لا سمح الله
قال الوالد بلهجة يصغر بها فاطمة ويتهمها بالجهل وقلة المعرفة فوضع يده في جيبه واخرج حفنة من النقود وقال : "اللي يبخشش بفلوسه كل البنات عروسه"
لم يمض يومان حتى جاء الوالد يزف البشرى لابنائه
لقد وجدتها فهي اقل من العشرين بستة اشهر
قالت فاطمةيعتري لهجتها شك : هل حصلت على موافقة اهلها
وهل تفوتني مثل هذه الامور ؟وحدد لابنائه الاسم والعنوان والموعد المحدد
في الساعة المحددة كان الوالد وابناؤه يطرقون باب العروس .
كانت الفرحة تملا قلب الشيخ..وما ان بدأ الطرفان يتناقشان في امور الشبكة والمهر ولوازم الزواج حتى شهق الابناء من عظم ما قدم الاب من اموال ليحصل على موافقة العروس واهلها ولكنهم لم يجرأوا على الاعتراض فقرأوا الفاتحة وطلب الوالد من زوجته ان دخل العروس بالقهوة عنوان الوفاق والقبول .
دخلت العروس بالقهوة وكانت فعلا جميلة وما ان نظر اليها الشيخ حتى دهمته فرحة عارمة قاتلة لم يتحملها قلبه فمال رأسه على الكنبة التي يجلس عليها
رحمة الله عليه وإنا لله وإنا إليه راجعون ...